المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠٢٣

البيعتان في بيعة (3): دخول عقد على عقد (بيع الدين للمدين)

صورة
من الصور التي ساقها العلماء للبيعتين في بيعة أن يسلف رجل من آخر قفيز حنطة إلى شهرين، فإذا حل الأجل وطولب بالحنطة قال: بعني قفيز الحنطة الذي لك علي إلى أربعة أشهر بقفيزين، فصار بذلك بيعتان في بيعة، بدخول البيع الثاني على الأول، ورأوا أنه محل تحقق أوكس البيعتين أو الربا، وذلك في رواية أبي داود التي جاءت من طريق أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من باع بيعتين في بيعة فله أوكسها أو الربا "، فالوكس هو النقص، وأوكس البيعتين أنقصهما، يقول الخطابي في معالم السنن:" لا أعلم أحدا قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا ما يحكى عن الأوزاعي، وذلك لما يتضمنه من الغرر والجهالة، فإن كان الحديث صحيحا فيشبه أن يكون ذلك حكومة في شيء بعينه، كأنه أسلفه دينارا في قفيز بر إلى أجل، فلما حل طالبه، فجعله قفيزين إلى أمد آخر، فهذا بيع ثان دخل على البيع الأول، فيردان إلى أوكسهما، أي أنقصهما، وهو الأول، فإن تبايعا البيع الثاني قبل أن يتقابضا كانا مربيين"، فوجه حصول البيعتين يكون بدخول البيع الثاني على الأول من خلال جعل مثمن البيع الأول - وهو قفيز الحنطة - ثمنا في ا

"هل العقود على ما أسست أو على ما عقدت"

صورة
قاعدة:" هل العقود على ما أسست أو على ما عقدت؟" قاعدة مفيدة جدا، فهي تعنى بالشروط التي تضم إلى العقود، وتزداد أهمية هذه القاعدة في العصر الحديث نظرا لاختلاف طريقة إبرام العقود، فهي عادة لا تبرم في وثيقة واحدة، بل تستبقها لقاءات تمهد لها، وهذه اللقاءات تتضمن إعداد مستندات تبين شروط العقد الذي سيبرم بين الطرفين، والتي قد تصل لعشرات الصفحات، قد تسمى "بمذكرة تفاهم" أو "اتفاقية أولية" أو "اتفاقية تمهيدية" أو غير ذلك من الأسماء التي تفيد أنها ليست العقد الرئيسي الذي يرغب الأطراف بإبرامه، بل تمهيد له، فإذا جاء يوم إبرام العقد لا يعاد ذكر تلك الشروط، وهو ما يثير التساؤل عن مدى اعتبار تلك الشروط وضمها للعقد، وإلزام الأطراف بها. إن الشروط التي تضم إلى العقود إما أن تقترن بها وقت إبرامها فتكون مقارنة لها، وهذه لا خلاف بين الفقهاء في ثبوتها متى كانت شروطا صحيحة، وإما أن يُتَّفق عليها قبل إبرام العقود، ولا يرد لها ذكر عند إبرام العقود بإثبات أو نفي، وهي الشروط السابقة، وقد اخْتُلف في حكمها، فذهب الإباضية والمالكية والحنابلة إلى أنها كالشروط المقارنة، فتكون شرو

البنوك الرقمية الإسلامية... بين تطور تكنولوجيا المالية والالتزام بالضوابط الشرعية (1)

صورة
لقد كان للبنوك الرقمية نموا متسارعا في الآونة الأخيرة، نظرا لما شهده القرن الأخير من طفرة في تكنولوجيا المالية، وزاد وتيرة التسارع هذه جائحة كورونا، ما طور الأعمال المالية الرقمية عموما، والبنوك الرقمية خصوصا، حتى تجاوز عددها 400 بنك رقمي عبر العالم، وقد كان للمالية الإسلامية حظا من ذلك، فقد تم إطلاق عدد من البنوك الرقمية الإسلامية عبر العالم، سواء في دول الخليج أو غيرها . ورغم أنني لم أشارك إلى لحظة تحرير هذا المقال في أعمال بنك رقمي إسلامي، غير أنه من خلال ما وقفت عليه في المالية الإسلامية من جهة، وتكنلوجيا المالية من جهة أخرى، بدت لي أن هنالك جملة من الجوانب المتعلقة بالالتزام بضوابط الشريعة الإسلامية : 1- إن التحول إلى بنوك رقمية إسلامية ليس أمرا مستحيلا، ويكفي شاهدا على هذا إطلاق جملة من هذه المصارف، ولكنه أيضا ليس بالأمر السهل، إذ تكتنفه الكثير من الصعوبات، ومع هذا فإن الواقع العالمي الذي تعيشه الصناعة المالية يحتم على المالية الإسلامية أن يكون لها موضع قدم ضمن البنوك الرقمية، فالتطور الكبير، والابتكار المتسارع، لا يترك مجالا لكل من تخلف عن الركب، بل قد يؤول الأمر مستقبلا بمن ي

الضوابط الشرعية لصرف ما في الذمة (وفاء الدين بعملة مختلفة)

صورة
روى أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم من طريق ابن عمر أنه قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء"، فالحديث يدل على جواز صرف الأثمان التي تثبت دينا في الذمة، فتؤخذ الدراهم بدل الدنانير، كما تؤخذ الدنانير بدل الدراهم، وهذه المسألة تعرف عند الفقهاء "بصرف ما في الذمة"، ولذلك لأن أخذ عملة عن عملة أخرى هو "صرف"، ونظرا لأن العملة الأولى دين وليست حاضرة فكانت "في الذمة ". وبهذا يمكن لمن كان عليه دين بالدولار الأمريكي لشخص من جنسية بلد ليست هذه عملته المستخدمة أن يوفيه بعملة أخرى يتفقان عليها، ولكن لا بد من مراعاة جملة من الضوابط الشرعية: 1- أن يكون الصرف بسعر يومه: أي بسعر يوم الوفاء بالدين، فلا يصح أن يعتمدا على سعر صرف العملة يوم ترتب الدين في الذمة، فمثلا لو تم شراء السلعة في شهر ينا

سلطة ممثل الشركة التجارية أمام غيرها (6): شركة المساهمة، واختصاص رئيس مجلس إدارتها عند تمثيلها

صورة
نقف في هذا المقال على الموضوع الرابع بسلطة ممثل شركة المساهمة، ألا وهي تحديد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة في تمثيل الشركة أمام غيرها. رابعا: تحديد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة في تمثيل الشركة أمام غيرها عند النظر في صلاحيات رئيس مجلس الإدارة ينبغي الالتفات إلى جانبين فيه، أولهما: الجانب التنظيري لذلك بحسب القوانين المنظمة، وثانيهما: الجانب التطبيقي له وذلك عند تسجيل الصلاحيات في السجل التجاري، فعند النظر في صلاحيات رئيس مجلس الإدارة من حيث التنظير القانوني فإننا سنلحظ أنها لا تعدوا أن تكون إحدى أمرين: أولهما: تنفيذ قرارات مجلس إدارة الشركة ، فقد أناطت المادة (186) من قانون الشركات الجديد تنفيذ قرارات مجلس إدارة الشركة برئيس مجلس إدارتها، وذِكْرُ هذا الأمر بعد ذكر تمثيل الرئيس للشركة أمام غيرها يدل على أن القرارات التي تستدعي تمثيلا للشركة يلزم فيها حضور رئيس مجلس إدارتها، ولا يمكن أن ينوب عنه أحد مديري الشركة، فجاء في المادة:" رئيس مجلس الإدارة هو ممثل الشركة لدى الغير وأمام القضاء، وعليه تنفيذ قرارات المجلس". ثانيهما: ممارسة الاختصاصات ، إذ إن من صلاحيات رئيس مجلس الإدارة مم

عقد الوكالة في القانون (2): مفهوم عقد الوكالة

صورة
  جاء تعريف عقد الوكالة في القوانين العمانية في موضعين، هما قانون المعاملات المدنية وقانون التجارة، أما قانون المعاملات المدنية (29/2013) فعرفه بأنه:" عقد يقيم بمقتضاه الموكل شخصا آخر مقام نفسه في تصرف جائز معلوم" (مدني:672)، وهو موافق للقانون المدني الأردني (المادة 833)، فيما عرفه قانون التجارة (55/90) بأنه:" عقد يقيم به الموكل شخصا آخر مقام نفسه في مباشرة تصرف قانوني معين" (تجارة:276)، وهو موافق لقانون المدني المصري (المادة:699)، والتعريفان متطابقان إلا في موضع واحد، هو تقييد التصرف بأنه (جائز معلوم) أو (قانوني معين)، والذي يعد قيدا مهما جدا في تحديد مفهوم الوكالة، وسيأتي بيان الفرق بينهما عند تحليل ألفاظ التعريف إن شاء الله. وأما عن سبب اعتناء قانون التجارة بذكر عقد الوكالة وتحديد مفهومه وتفصيل بعض أحكامه - رغم أنه عقد من العقود المسماة الواردة ضمن العقود المدنية – فيعود إلى اعتناء قانون التجارة بأحكام (الوكالة التجارية)، ما حدا به إلى تعريف عقد الوكالة ابتداء قبل تفصيل أحكام الوكالة التجارية، غير أنه لم يعنى بتعريف الوكالة التجارية اكتفاء بعريف قانون الوكالات ال