سلطة ممثل الشركة التجارية أمام غيرها (6): شركة المساهمة، واختصاص رئيس مجلس إدارتها عند تمثيلها



نقف في هذا المقال على الموضوع الرابع بسلطة ممثل شركة المساهمة، ألا وهي تحديد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة في تمثيل الشركة أمام غيرها.

رابعا: تحديد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة في تمثيل الشركة أمام غيرها

عند النظر في صلاحيات رئيس مجلس الإدارة ينبغي الالتفات إلى جانبين فيه، أولهما: الجانب التنظيري لذلك بحسب القوانين المنظمة، وثانيهما: الجانب التطبيقي له وذلك عند تسجيل الصلاحيات في السجل التجاري، فعند النظر في صلاحيات رئيس مجلس الإدارة من حيث التنظير القانوني فإننا سنلحظ أنها لا تعدوا أن تكون إحدى أمرين:

أولهما: تنفيذ قرارات مجلس إدارة الشركة، فقد أناطت المادة (186) من قانون الشركات الجديد تنفيذ قرارات مجلس إدارة الشركة برئيس مجلس إدارتها، وذِكْرُ هذا الأمر بعد ذكر تمثيل الرئيس للشركة أمام غيرها يدل على أن القرارات التي تستدعي تمثيلا للشركة يلزم فيها حضور رئيس مجلس إدارتها، ولا يمكن أن ينوب عنه أحد مديري الشركة، فجاء في المادة:" رئيس مجلس الإدارة هو ممثل الشركة لدى الغير وأمام القضاء، وعليه تنفيذ قرارات المجلس".

ثانيهما: ممارسة الاختصاصات، إذ إن من صلاحيات رئيس مجلس الإدارة ممارسة بعض اختصاصات مجلس الإدارة، وذلك حسبما يتم منحه من صلاحيات من قبل مجلس إدارة الشركة، وبهذا قضت المادة 183 والتي جاء فيها:" لمجلس الإدارة - في حدود ما ينص عليه القانون والنظام الأساسي للشركة - كافة الصلاحيات اللازمة لتصريف شؤون الشركة، وعلى المجلس تنفيذ قرارات الجمعية العامة، واتخاذ ما يلزم لذلك من إجراءات. ويجوز للمجلس أن يفوض رئيسه أو لجنة أو أكثر، يؤلفها من بين أعضائه للقيام ببعض اختصاصاته، ما لم ينص النظام الأساسي للشركة على خلاف ذلك".

كما أن المادة المشار اليها أعلاه تكشف لنا جملة من الأمور المهمة المتعلقة باختصاصات رئيس مجلس الإدارة، وهي:

1- أن مجلس الإدارة هو المعني بتصريف شؤون الشركة واتخاذ القرارات، وذلك من خلال أعضائه.

2- أن رئيس مجلس الإدارة ليست له أي اختصاصات يتميز بها عن باقي أعضاء مجلس الإدارة إلا فيما يخص تمثيل الشركة أمام غيرها، فلا يمكنه أن يتفرد باتخاذ شيء من القرارات المتعلقة بالشركة بمفرده .

ج- للمجلس أن يفوض الرئيس ببعض اختصاصات المجلس، فيمكن للرئيس عندها أن يمارس ما تم منحه من صلاحيات دون صدور قرار من قبل مجلس الإدارة بذلك. وفي تقييد ذلك ببعض الاختصاصات إشارة إلى امتناع منح الرئيس جميع اختصاصات مجلس الإدارة، وهو توجه سديد، إذ منح الرئيس جميع اختصاصات مجلس الإدارة يعني إلغاء دور مجلس الإدارة، وإن كان التساؤل الذي يثور هنا هو مقدار الاختصاصات المسموح منها لرئيس مجلس الإدارة.

وأما عند الالتفات إلى الجانب التطبيقي لصلاحيات رئيس مجلس الإدارة، وصور تسجيل ذلك في السجل التجاري، فإننا سنجد أن لذلك صورا متعددة، إذ يمكن أن يجمع الشخص بين عضوية مجلس الإدارة والصلاحية التنفيذية، سواء أكانت هذه الصلاحية التنفيذية مطلقة أو مقيدة بجانب ما كالجانب الإداري أو المالي أو الفني، وفقا لما هو معمول في سلطنة عمان، كما أن صلاحيته التنفيذية يمكن أن تكون منفردة أو متحدة مع غيره، وأيضا فقد يوضع للرئيس سقف مالي ليس له تجاوزه إلا بقرار من مجلس إدارة الشركة، ولذا يتبين أن لهذه الصلاحية حالات متفاوتة:

1- إطلاق الصلاحية وتقييدها: تتنوع الصلاحيات التي ترد في السجل التجاري إلى ثلاثة أنواع : مالية وإدارية وفنية ، فهنا يمكن أن يمنح الرئيس صلاحية مطلقة تشتمل على الصلاحيات الثلاث جميعها، كما يمكن أن تقيد صلاحيته فيمنح واحدة منها أو اثنتان، وهنا عند تقييد صلاحية الرئيس فليس له أن يمثل الشركة في غير ما تم تقييده به ، فإن فعل كان متجاوزا لاختصاصاته التي تم منحه إياها، على أن هذا التقييد لصلاحيات الرئيس يجر معه جملة من التساؤلات، منها:

أولا: إذا أراد الرئيس تمثيل الشركة أمام غيرها في جانب ليس من اختصاصه، فالذي يبدو أن علاج هذا الأمر يكون بصدور قرار من مجلس الإدارة يخول الرئيس بتمثيل الشركة أمام غيرها في الجانب الذي لم يمنح فيه اختصاص ليتمكن من تمثيل الشركة فيه، ويعد الرئيس هنا منفذاً للقرار لا ممارساً للاختصاص، وبذات الطريقة يمكن معالجة الأمر إذا لم يتم منح رئيس مجلس الإدارة أي اختصاصات من قبل مجلس إدارة الشركة - ما يعني أن اسمه غير مذكور البتة في قائمة المفوضين بالتوقيع عن الشركة في السجل التجاري - فيُصدر قرار من مجلس إدارة الشركة يخول الرئيس بأن يمثل الشركة في أمر من الأمور، ليعد عندها منفذاً للقرار لا ممارساً لاختصاصه.

ثانيا: الاختصاصات التي يتم فيها تقييد صلاحيات رئيس مجلس الإدارة بها هي في حقيقتها عامة في ذلك القيد، وقد يكون النظام الأساسي للشركة أكثر تخصيصا أو تقييدا، ومثال ذلك أن الرئيس قد يشار إليه في السجل التجاري بأن اختصاصه إداري، وهو ما يفهم منه أنه عام في كل عمل إداري، إلا أنه من المحتمل أن يكون النظام الأساسي مخالف لذلك، ومقيداً لاختصاصات الرئيس ببعض الجوانب الإدارية لا جميعها، فعلاج هذا الأمر يكون بمراجعة النظام الأساسي من قبل الجهة التي يمثل الرئيس أمامها للتحقق من اختصاصه في ذلك الأمر، فإن لم يكن من اختصاصه لزم صدور قرار من مجلس الإدارة ليكون الرئيس منفذاً للقرار بهذا التمثيل على النحو الذي تقدم بيانه.

ثالثا: عند الإشارة في السجل التجاري إلى أن صلاحية الرئيس مطلقة فهي إشارة إلى نقل جميع اختصاصات مجلس الإدارة إليه، فله بذلك تمثيل الشركة في أي أمر، وهذا يتعارض مع المادة (183) التي قضت بأنه يمكن أن تنقل بعض اختصاصات مجلس إدارة الشركة إليه، إذ التقييد ببعض الاختصاصات يفهم منه منع نقل جميع الاختصاصات إليه، وهو أمر يكشف لنا لفة مهمة، إذ في نقل جميع اختصاصات مجلس إدارة الشركة إلى رئيسها إلغاء لدور مجلس الإدارة الحقيقي في رسم سياسات الشركة ومتابعة أوضاعها، وعلاج هذا الأمر يكون بالوقوف على نصوص النظام الأساسي للشركة لمعرفة تفاصيل الصلاحية المطلقة الواردة في السجل التجاري.

2- الانفراد في التصرف والاتحاد فيه: قد تكون صلاحية الرئيس في السجل التجاري صلاحية منفردة، ومعنى ذلك أن توقيعه وحده كفيل بإنفاذ الأمر دون الحاجة إلى ضم توقيع ممثل آخر للشركة معه لإنفاذه، وقد تكون صلاحيته متحدة فيلزم ضم طرف آخر ممثل للشركة ليوقع مع الرئيس لإنفاذ الأمر. غير أن التساؤل الذي يثور هنا هو عن صفة الطرف الآخر الذي يلزم ضم توقيعه مع توقيع الرئيس حتى ينفذ الأمر، والذي يبدو أنه للوقوف على ذلك فإنه يلزم الرجوع إلى النظام الأساسي للشركة لمعرفة من هو الشخص الذي يلزم اقتران توقيعه بتوقيع الرئيس، نظرا إلى أن النظام الأساسي للشركة هو الفيصل في تنظيم شؤونها، ولذلك يلاحظ أنه قد جاء في آخر المادة (183):" ويجوز للمجلس أن يفوض رئيسه أو لجنة أو أكثر، يؤلفها من بين أعضائه للقيام ببعض اختصاصاته، ما لم ينص النظام الأساسي للشركة على خلاف ذلك"، إذ سمحت هذه المادة تفويض الرئيس ببعض الاختصاصات ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك، فإن نص على خلاف ذلك لزم الرجوع إليه لمعرفة التفاصيل، فكذلك هو الأمر في التوقيع المتحد، يلزم الرجوع إلى النظام الأساسي لمعرفة من هو المخول للتوقيع مع الرئيس.

وتساؤل آخر يثور هنا، وهو في اشتراط كون الممثل الآخر للشركة أحد أعضاء مجلس الإدارة، والذي يبدو لزوم ذلك، وأنه لا يمكن أن يضم توقيع أحد المديرين إلى توقيع الرئيس عند تمثيل الشركة أمام غيرها، وذلك لأن المادة نصت على أن ممثل الشركة هو الرئيس أو نائبه عند غيابه، كما أن للرئيس تفويضه أحد الأعضاء للحضور نيابة، فلم تتم الإشارة إلى المديرين البتة، وهو ما يدل على أن المدير ليس له أن يمثل الشركة على خلاف القانون السابق الذي كان يسمح بذلك - وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله لاحقا - وضم أي توقيع إلى توقيع الرئيس هو في حقيقته تمثيل للشركة أيضا، ما يلزم أن يكون الممثل للشركة ممن سمح له القانون بذلك وهم أحد أعضاء مجلس الإدارة.

3- إطلاق السقف المالي وتقييده: جانب آخر من الجوانب التي يمكن أن يمنح فيها الرئيس قدرا من الاختصاص، ألا وهو السقف المالي، فقد يتم إطلاق الصلاحية للرئيس في المبالغ المالية التي له التصرف فيها دون الرجوع إلى مجلس الإدارة، كما قد يتم تقييده بسقف مالي محدد ليس له تجاوزه إلا بقرار من مجلس الإدارة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عقد الوكالة في القانون (4): الموكل (شخصية طبيعية)

عقد الوكالة في القانون (3): سمات وخصائص عقد الوكالة

عقد الوكالة في القانون (2): مفهوم عقد الوكالة