عقد الوكالة في القانون (3): سمات وخصائص عقد الوكالة




 


تقدم في المقال السابق تعريف قانون المعاملات المدنية (29/2013) للوكالة بأنها:" عقد يقيم بمقتضاه الموكل شخصا آخر مقام نفسه في تصرف جائز معلوم"، فالوكالة عقد من العقود المسماة التي اعتنى القانون بتنظيم أحكامها، كما تجري عليها القواعد العامة للعقود من صيغة وسبب ومحل، أسوةً بالعقود الأخرى، غير أن لها جملة من السمات التي تتميز بها عن غيرها من العقود:

1- أنها عقد وارد على عمل: فهي بهذا تختلف عن البيع كونه عقدا واردا على عين أو حق، كما أنها تختلف عن الإجارة كونها عقدا واردا على منفعة، وتكمن أهمية معرفة هذه السمة في أنها تمكن الشخص من التوصيف القانوني الصحيح للوقائع القانونية التي قد تلتبس فيها الوكالة بالبيع أو الإجارة، وذلك كما في عقد توريد السلع، الذي يقوم التاجر فيه بأخذ السلع من موردها، وبيعها بعد ذلك، إذ يدور توصيف عقد التوريد هذا بين عقد الوكالة وعقد البيع نظرا لتعدد طرق التعاقد فيه، فإذا دفع المورد السلع إلى التاجر ليبيع منها ما أمكنه، ثم يعود إليه بالثمن وما تبقى من السلع التي لم تبع كان العقد المبرم بينهما عقد وكالة، وكان التاجر وكيلا عن المورد في بيع السلع، نظرا إلى أن العقد بين الطرفين وارد على عمل، وهو قيام التاجر ببيع السلع، وليس واردا على ذات السلع، بينما إذا تقاضى المورد الثمن من التاجر عند تسليمه للبضاعة كان العقد المبرم بينهما بيع، نظرا إلى أن التعاقد وارد على ذات السلع وليس على عمل، ولذا فإن المورد إن لم يتمكن من بيع بعض السلع فلن يعود بها إلى المورد.

2- أنها عقد يرد على عمل قانوني: وذلك مثل التوكيل بعقد الصفقات، وقبض الأثمان أو الأجرة أو الديون، وليس على عمل مادي كما في عقد العمل حيث يقوم الموظف بأعمال مادية لصاحب العمل، وعقد المقاولة، حيث يقوم المقاول بصنع شيء. غير أن تقييد العمل في الوكالة بكونه قانونيا أثار إشكالا في توصيف جملة من التصرفات، منها:

- مندوب التأمين، الذين يقومون بأعمال مادية كالتسويق، وأخرى قانونية كعقد الصفقات لصالح أصحاب العمل، إذ كان للقضاء الفرنسي فيه توجهان، حيث ذهبت أحكام إلى أن العقد الذي يربط مندوب التأمين بالشركة هو عقد وكالة، فيما ذهبت أحكام أخرى إلى أنه عقد عمل، ولكن حسم القانون الفرنسي الأمر عند صدوره بترجيح كفة عقد العمل.

- المحامي، فهو معدود من أصحاب المهن الحرة الذين يقومون بأعمال مادية، غير أنه رجح فيه عقد الوكالة على عقد المقاولة بينه وموكليه كون طبيعة عمله خليط بين الأعمال المادية والأعمال القانونية.

- رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، وهو من أكبر الإشكالات، إذ يعد رئيس مجلس إدارة الشركة وكيلا عن حملة الأسهم، فيما يعد المدير التنفيذي موظفًا في الشركة يربطه بها عقد عمل،

نظرا إلى مبدأ التبعية، فرئيس مجلس الإدارة ليس نائب لحملة الأسهم، ولكنه لا يعمل تحت إشرافهم فكان وكيلا لهم، فيما يعد الرئيس التنفيذي تابعا لهم، يعمل تحت إشرافهم فكان موظفا مرتبطا بعقد عمل، ولكن عن النظر من خلال مبدأ لا التصرف القانوني فإننا نجد أن من يقوم بها هو المدير التنفيذي، إذ هو من يقوم بإبرام العقود والتوقيع على الصفقات، وأما رئيس مجلس الإدارة فإنه لا يقوم بأي شيء من ذلك، وإنما يعود دوره إلى إدارة الشركة ورسم سياساتها وخطط عملها، وهذا ما يزيد من إشكال تقييد الوكالة بالعمل القانوني. إن هذا الإشكال الحاصل في هذه الصور وغيرها بسبب تقييد العمل في الوكالة بأن يكون قانونيا يجعل المقام جديرا بأن يتم تناول هذا الجانب في مقال مستقل، وهو ما سنقوم به لاحقا إن شاء الله تعالى.

3- الأصل فيها أنها عقد تبرع: فلا أجر في الوكالة من حيث الأصل إلا أن يتفق الأطراف على ذلك لتكون عقد وكالة بأجر، غير أن الأمر مختلف في الوكالة التجارية خاصة، إذ الأصل فيها أنها وكالة بأجر إلا أن يتفق الأطراف على غير ذلك، ويتبع هذه السمة في الوكالة أمر آخر وهو خضوع الأجرة لتقدير القضاء، وبخلاف الأجرة في عقد العمل وعقد المقاولة، فلا يخضعان لذلك.

4- مراعاة الاعتبار الشخصي: فكلا الطرفين جعل شخصية الطرف الآخر محل اعتبار عند التعاقد، ومن أهم آثار هذه السمة أنه ليس للوكيل أن يوكل غيره ما لم يأذن له الموكل بذلك، لما فيه من مراعاة لشخص الوكيل، كما أن الوكالة تنتهي مباشرة بوفاة الموكل أو الوكيل بسبب الاعتبار الشخصي الذي تتميز به الوكالة، بخلاف عقد المقاولة فإنه لا ينتهي بوفاة أحد الطرفين ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك.

5- أنها عقد مُلزِم: فالالتزامات التي تترتب عليها ملزمة لأطراف العقد، فالوكيل ملزم بأن يبذل في تنفيذ ما وكل به العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة إذا كانت الوكالة بلا أجر وعليه أن يبذل في العناية بها عناية الشخص العادي إذا كانت بأجر (مدني:681)، كما أنه ملزم بأن يوافي موكله بالمعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة وبأن يقدم إليه الحساب عنها (مدني:689)، وأما الموكل فإنه ملزم بأن يرد للوكيل ما أنفقه بالقدر المعتاد في تنفيذ الوكالة (مدني:691)، كما أن ملزم بكل ما ترتب في ذمة الوكيل من حقوق بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذا معتادا (مدني:692).

6- أنها عقد غير لازم: فيجوز للموكل أن يعزل الوكيل، وللوكيل أن يتنحى عن الوكالة، في أي مرحلة من مراحل عقد الوكالة، عدا ما استثناه القانون، فليس للموكل أن يعزل وكيله دون موفقته إذا تعلق بالوكالة حق للغير أو كانت قد صدرت لصالح الوكيل (مدني:695)، كما ليس للوكيل أن يتنحى عن الوكالة إن تعلق بها حق للغير أو كان في مرحلة تضرر فيها الموكل بتنحي وكيله (مدني:697).

7- أنها ليست عقدا شكليا: فلم يلزم القانون أي شكل لعقد الوكالة من حيث الأصل كأن تكون الوكالة مكتوبة، أو مسجلة لدى جهة معينة، أو أن تتضمن بيانات معينة، بل على العكس، فإننا نجد أن بعض الوكالات يمكن أن تبرم بمجرد التقاء الإيجاب والقبول، كما لو وكل شخص محاميا أثناء جلسة المرافعة شفاهة من غير وكالة مكتوبة، غير أن هنالك بعض الوكالات الخاصة التي اشتُرط لها شكل خاص مثل وكالة الوكيل المفوض في الجمارك، فقد اشترط فيها أن تكون الوكالة مكتوبة (نظام الجمارك:140/2).

8- تنصرف آثارها للغير: فالوكيل إنما يعمل باسم الموكل، ومتى عمل الوكيل باسمه كأن يستخدم اسما مستعارا، فإن عمله من حيث الجملة هو لحساب الموكل، بحيث يلزمه عند انتهاء العمل أن يقدم للعميل بيانا عن الأعمال التي قام بها من أجل الحساب، وهذا كما في الوكالة بالعمولة.

9- أنها عقد قائم على أصل النيابة: فالوكيل هو نائب عن الأصيل، بخلاف عقد العمل القائم على أصل التبعية لرب العمل، إذ العامل يعمل دائمًا تحت إشراف رب العمل وتوجيهه، فعلاقته به هي علاقة التابع بالمتبوع، أما الوكيل فلا يلزم وجود التبعية في علاقته مع الموكل، ومن أبرز آثار هذا التفريق ما تقدم ذكره من اعتبار رئيس مجلس إدارة الشركة وكيلا عن هذا المجلس لانتفاء التبعية، بخلاف المدير الفني للشركة فيعتبر موظفًا فيها يرتبط معها بعقد عمل كونه تابعا لرب العمل بحيث يعمل تحت إشرافه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عقد الوكالة في القانون (4): الموكل (شخصية طبيعية)

عقد الوكالة في القانون (2): مفهوم عقد الوكالة